ظهور علم المساحة وتطورة عبر التاريخ
علم المساحة قديم قدم الانسانية عرفه الانسان القديم وعمل به ويعتبر إحد أهم العناصر في تنمية البيئة البشرية منذ الأزل، فالتخطيط والتنفيذ لمعظم أشكال البناء يتطلب إجراء عملية مسح في البداية، ويستخدم المسح أيضاً لأغراض أخرى كإنشاء طرق النقل والاتصالات، ورسم الخرائط، وضبط حدود ملكية الأرض بالتكامل مع القانون، كما أن المسح يعتبر أداة هامة للبحوث في العديد من التخصصات العلميّة الأخرى.
التاريخ القديم[عدل]
ظهرت المساحة منذ أن قام الإنسان ببناء أول الأبنية، وقام مساحي عصور ما قبل الميلاد بتخطيط نصب ستونهينج (2500 ق.م) مستخدمين هندسة الوتد والحبل.[4]
كما وظهرت العديد من الأدلة التي تدل على تمكّن المصريين القدماء من علم المساحة، فقد كان مادد الحبال روب ستريتشر يقوم باستعمال مبادىء الهندسة البسيطة لإعادة إنشاء الحدود بعد الفيضانات السنوية لنهر النيل، كما أن التربيع شبه المثالي للهرم الأكبر في الجيزة -المبني في 2700 قبل الميلاد- وتوجهه الشمالي الجنوبي يؤكدان على ذلك، وظهرت كذلك الأدلة التي تدل على تمكن حضارة بلاد الرافدين في علم المساحة حيث أنتجت هذه الحضارة في أوائل الألفية الأولى قبل الميلاد أداة الجروما (groma) وهي أداة من أدوات المساحة القديمة.[5]
وصف الرياضي ليو هوي (Liu Hui) طرقاً لقياس الأشياء البعيدة في كتابه (Haidao Suanjing) أو The Sea Island Mathematical Manual الذي نشر في 263 بعد الميلاد، كما اعترف الرومانبالمساحة كمهنة، وقاموا بعمل القياسات الأساسية التي تم تقسيم الامبراطورية الرومانية على أساسها مثل التسجيل الضريبي للأراضي التي تم غزوها عام 300 بعد الميلاد.[6]
في أوروبا وتحديدا في القرون الوسطى تم وضع حدود حول القرى والأبرشيات وقد كان ذلك يتم بتكوين وزرع مجموعة من الناس المقيمين حولها أو بإنشاء طرق للمشي حول الأبرشيه أو القرية وتم تعليمها وتلقينها للأولاد الصغار لضمان استمرار الذاكرة لأطول فترة ممكنة، كما قام وليام الفاتح في انكلترا بتكليف إعداد كتاب "يوم القيامة" في 1086م وقد قام هذا الكتاب بتسجيل كل أسماء مالكي الأراضي مع مساحة الأراضي التي امتلكوها، وجودتها وكذلك معلومات محددة حول محتويات الارض وسكانها لكن الكتاب لم يضم أي خرائط تعرض مواقع محددة.
التاريخ الحديث
فٌي عام 1551م قام العالم أبيل فولون باختراع ما يسمى بالطاولة المستوية (Plane table) والتي ساهمت بشكل كبير في تطور المساحة، ولكن يُعتقد أن اختراعه هذا ما هو إلا تطوير على اختراع كان موجودا مسبقا.
وفي عام 1620م تم إدخال سلسلة غونتر من قبل عالم الرياضيات الانجليزي إدموند غونتر، وقد مكنت هذه السلسلة من مسح قطع الأراضي بدقة وكذلك رسمها لأغراض قانونية وتجارية. ووصف ليونارد ديجيز جهاز المزواة (Theodolite) الذي يقيس الزوايا الأفقية في كتابه (A geometric practice named Pantometria) عام 1571م
وفي عام 1576م اخترع العالم جوشوا هابرمل مزواة (Theodolite) مع بوصلة وترايبود (قاعدة تثبيت)، وكان جوناثون سيسيون أول من قام بدمج التليسكوب على جهاز المزواة (Theodolite) في عام 1725م.[7]
في القرن الثامن عشر، بدأ استخدام تقنيات وأدوات مسح أحدث وقدم جيسي رامسدن في عام 1787م أول جهاز مزواة (Theodolite) يتميز بالدقة، في ذلك الحين، كان جهاز المزواة يستخدم لقياس الزوايا في المستويات الأفقية والرأسية. وقام رامسدن أيضا باختراع ما يسمى بجهاز المزواة العظيم (Great Theodolite) وضع فيه محركا من تصميمه الخاص وقد تميز هذا الجهاز بدقة أعلى من أجهزة المزواة السابقة وساهم في خطو خطوة كبيرة في سبيل الحصول على قياسات دقيقة للزوايا.
قدم عالم الرياضيات الهولندي ويلبرورد سنليوس -والذي يُعرف أيضا بسنيل فان رويين- الاستخدام المنهجي الجديد لطريقة التثليث (تثليث (هندسة رياضية)) وقام نفس العالم في عام 1615م بقياس المسافة من ألكمار إلى بريدا وقدرها بحوالي 72 ميلا (116.1 كليومتر) وهي أقل بنسبة 3.5% من المسافة الحقيقية.
كما بين العالم سنليوس كيف يمكن تصحيح صيغ معادلات سطح الأرض التي كانت تتعامل معه كسطح مستو لتأخذ بعين الاعتبار انحناء الأرض، وأظهر أيضا كيفية حساب موقع نقطة داخل مثلث باستخدام الزوايا ونقاط معلومة. وقد أسس عمله لفكرة مسح شبكة رئيسية من النقاط وتحديد نقاط فرعية داخل هذه الشبكة الرئيسية.
قام جاك ساسيني وابنه سيزار بين عامي 1733م و1740م بأول عملية إنشاء شبكة نقاط باستخدام التثليث (Triangulation) في فرنسا، وساهم عملهما في نشر أول خريطة لفرنسا عام 1745م والتي أنشئت بأقصي دقة ممكنة متوفرة في ذلك الوقت.
ومع اقتراب نهاية القرن الثامن عشر، تم إنشاء شبكات النقاط لمعظم البلدان باستخدام التثليث (Triangulation) وفي عام 1784م، قام فريق من المساحين بقيادة الجنرال ويليام روي في بريطانيا العظمى بإنشاء شبكة النقاط، وقد تم لأول مرة استخدام جهاز المزواة العظيم (مزواة رامسدن)(Great Theodolite) في هذه العملية وتم إنهائها عام 1853م.
بدأت عملية المسح وإنشاء شبكة النقاط في الهند عام 1801م وقد كان للمساحة الهندية أثر علمي هائل وإضافة كبيرة على علم المساحة كما كان لها الإسهام الأول في تسمية وتعيين قمة ايفريست و قمم أخرى.
أصبحت المساحة وظيفة مهنية في مطلع القرن التاسع عشر مع بداية الثورة الصناعية، وتم تصنيع أدوات أكثر دقة للمساعدة في العمل المساحي واحتاجت مشاريع البنية التحتية والمشاريع الصناعية المساحين لوضع القنوات والطرق والسكك الحديدية.
في الولايات المتحدة الأمريكية، أقر قانون الأراضي لعام 1785م نظام المسح العام للأراضي والذي شكل الأساس لتقسيم الأراضي إلى أقسام للسماح ببيعها، وقسم هذا القرار الولايات إلى شبكات من البلدات التي قسُمت إلى أقسام وأجزاء من الأقسام.
قام نابليون بونابرت باستحداث أول عملية مسح عقاري في أوروبا عام 1808م حيث قام بجمع البيانات عن عدد قطع الأراضي، وقيمتها، واستخداماتها، وأسماء المالكين.
في عام 1858م قدم روبرت تورينز نظام تورينز في جنوب أستراليا والذي يهدف إلى تبسيط معاملات الأراضي عن طريق سجل مركزي للأراض. وقد اعتُمد نظام تورينز في العديد من الدول الأخرى الناطقة باللغة الانجليزية في العالم.
أصبحت المساحة مهمة بشكل متزايد مع وصول السكك الحديدية في القرن التاسع عشر، حيث كان استخدام المساحة أمرا ضروريا لجعل الطرق مجدية تكنولوجياً ومالياً.
في القرن العشرين
قام المساحون بتطوير السلاسل القديمة والحبال في بداية القرن العشرين، ولكنهم كانوا لا يزالون يواجهون مشكلة القياس الدقيق للمسافات الطويلة. وفي خمسينيات القرن الماضي، قام الدكتور تريفور لويد وادلي باختارع جهازالتيلوروميتر وهو عبارة عن جهاز يقوم بقياس مسافات طويلة باستخدام جهاز إرسال ومستقبلين بالميكروويف. وفي أواخر الخمسينيات تم اختراع جهاز قياس المسافات الالكتروني (Electronic Distance Mesaurment) الذي يستخدم ترددات الموجات الضوئية لقياس المسافات[8]، وقد وفرت هذه الأدوات مدة القياس التي كانت تصل إلى أيام بل وحتى أسابيع عبر قياس المسافة بين نقاط تبعد عن بعضها كيلومترات في جولة واحد فقط.[9]
إن التقدم الكبير الذي حصل في مجال الالكترونيات أدى إلى إنتاج وحدات أصغر من جهاز قياس المسافات الالكتروني EDM، وفي السبعينيات ظهرت الأدوات الأولى التي تجمع بين الزاوية والمسافة المقاسة وأصبحت تعرف بما يسمى بأجهزة المحطة المتكاملة (Total station)، وقامت الشركات المصنعة بتطوير هذه الأجهزة تدريجيا مما أدى إلى تحسينات في دقتها وسرعة قياسها، وتشمل هذه التطورات مسجلات للبيانات المقاسة وبرامج حساب للمسافة والزاوية على متن الطائرات.
يعتبر نظام النقل البحري الأمريكي (بحرية الولايات المتحدة TRANSIT system) أول نظام لتحديد المواقع بواسطة الأقمار الصناعية وقد تم إطلاق أول عملية ناجحة في عام 1960م، ووجد المساحون أنه يمكن استخدام أجهزة الاستقبال الميدانية لتحديد موقع نقطة ما.
كان لاستخدام المعدات الكبيرة والأقمار الصناعية المتفرقة سلبيات عديدة منها أنها كانت مجهدة وغير دقيقة، في عام 1978م أطلقت القوات الجوية الأمريكية أول الأقمار الصناعية النموذجية من النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS)، ويَستخدم الGPS كوكبة أكبر من الأقمار الصناعية وإشارات الإرسال المحسنة ليعطي دقة أكبر.
تطلب الحصول على معلومات دقيقة باستخدام نظام التموضع العالمي (نظام التموضع العالمي) عدة ساعات من الرصد عن طريق جهاز استقبال ثابت. وتم إجراء عدة تحسينات على كل من الأقمار الصناعية وأجهزة الاستقبال وظهرت طريقة جديدة للمسح عرفت ب مسح الوقت الحقيقي كينيماتك (RTK) سمحت بالحصول على قياسات عالية الدقة باستخدام محطة ثابتة القاعدة وهوائي ثاني متنقل يمكن تعقب موقعه وبوقت أقل.
في القرن الواحد والعشرين
استمر استخدام كل من جهاز المزواة (مزواة) وجهاز المحطة المتكاملة (Total Station) ونظام تحديد المواقع العالمي (RTK (GPS وكذلك استمر تطويرها وتحديثها.
واستمرت صور الأقمار الصناعية بالتحسن وأصبحت أرخص ثمناً مما سمح باستخدامها بشكل أكبر وعلى نطاقات أوسع، وشملت التكنولوجيات الجديدة البارزة في هذا القرن المسح ثلاثي الأبعاد (3D) واستخدام ليدار للمسوحات الطوبوغرافية. وظهرت أيضا تكنولوجيا الطائرات بدون طيار جنبا إلى جنب مع معالجة الصور الفوتوغرامترية.
المصدر :ويكيبيديا الموسوعة الحرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق